رد: دليلك لتعليم طفلك القراءة والكتابة(اربعة اجزاء)
دليلك لتعليم طفلك القراءة والكتابة
الحلقة الثانية
وصل ابنُك لسنٍّ تَسمح له بتعلُّم مهارات القراءة والكتابة، وهو دونَ سنِّ المدرسة بسنةٍ أو سنتين، قد ترى فيه نُبوغًا يدفعك لِمُحاولة إكسابه مهاراتِ القراءة والكتابة مبكِّرًا، وعلى كلِّ حال فلكَ أنْ تضَع قدمك على بداية الطريق، وسنُساعدك على التعرُّف عليه خطوةً خطوة - بإذن الله.
هناك حقيقةٌ شديدة الأهميَّة، عليك أن تَذْكرها عندما تخوض تجربةَ تعليم طفلِك القراءة والكتابة، وهي أنَّ عليك أن تُعيد مُراجعةَ العديد من قواعد العربيَّة، وأنت بحاجةٍ إلى هذه المُراجعة بشكلٍ خاص إذا كانت هذه تجرِبتَك الأولى، وإذا لم تكن تملكُ مهارة التَّدريس كمهارةٍ شخصيَّة، والسَّبب في حاجتك إلى المُراجعة هو ضرورة تنظيم الموضوعات التي سوف تتدارَسُها مع طفلك بترتيبٍ صحيح، كذلك استحضار القواعد التي تشرَّبْتَها، فنسيت نصَّها كما هو الحال في قاعدة "أل" الشمسية والقمرية، فإذا توقَّفت لحظة لِتَسأل نفسك عن أصل القاعدة، ستجد أنَّك قد نسيتَه، ولم يبق في عقلك الواعي منه شيءٌ، ومع ذلك أنتَ تستطيع أن تميِّز بين "أل" الشمسية والقمريَّة في أيِّ كلمة، لكن كيف ستنقل هذه المهارة لطفلك؟ لهذا يَتحتَّم عليك أن تعود لتقرأ وتُرتِّب أفكارك من جديد، والمقصود أنَّ عليك أن تبذل جهدًا شخصيًّا، بالإضافة إلى ما تبذله مع طفلك.
ولتبدأ مع طِفلك الخطوة الأولى في هذا الطريق الطَّويل يتحتَّم عليك أن تبذل الوقت والجهد أوَّلاً لتقرِّب إليه فكرة اللُّغة وتركيب الجُمَل والكلمات، والمقصود بذلك أن تُساعد طفلك على فَهْمِ هذه العلاقة:
حرف، ثم مجموعة حروف: تكوِّن كلمة.
كلمة، ثم مجموعة كلمات: تكوِّن جملة.
جملة، ثم مجموعة جُمَل: تكوِّن فِقْرة.
فقرة، ثم مجموعة فقرات: تكون نصًّا.
والمطلوب أن يستوعب الطفل العلاقتين الأُولى والثانية بشكلٍ تام، ثم ينتقل من الثانية للرابعة مباشرةً في هذه المرحلة، فلا يَعْنينا بدايةً أن يميِّز بين الفقرة والنَّص، ولكن ليميِّز بين النص والجمل، والكلمات والحروف في البداية، والسُّؤال: كيف ستنقل لطفلك هذه الفكرة؟
استَعِنْ بألعاب الطِّفل؛ لِتُعينك دومًا على نقل الأفكار والتصوُّرات إليه، وحاوِلْ أن تضع مخطَّطًا لعملك، وما ستقول قبل مواجهة الطِّفل حتَّى تتدرَّب على ذلك، فقِطَع المكعَّبات الملوَّنة تُعَدُّ وسيلةً مثاليَّة لنقل مفهوم التركيب الذي ذكَرْناه سابقًا، فيمكنك أن تحضر المكعَّبات بعدَّة ألوان، وتطلب من طفلِك أن يُعاونك لعمل ألواح من كلِّ لون، ثم تركِّب الألواح معًا لتصنع بيتًا كبيرًا، ثم تبدأ وتقارن معه: فتجعل المكعَّب الواحد هو الحرف، واللَّوح هو الكلمة المكوَّنة من حروف، والجملة هي البيت، لكن استخدم أسلوبًا بسيطًا في الحوار؛ حتَّى تتمكَّن من نقل ما تريد بِيُسْر، واستقبل استفسارات الطِّفل بصدرٍ رحب، لا تتوقَّع استيعابَه مِن التجربة الأولى، ولكنْ كرِّر أكثر من مرَّة بأشكالٍ وألوان مختلفة، ثم أعطِه مثالاً على اسمه، فاكتب حروف اسمه، ثم اجمعها له، واطلب منه حفظ شكل اسمه مكتوبًا، ووثِّق الصِّلة بينه وبين اسمه مشافهةً وكتابةً، فمن الضَّروري من الناحية التربويَّة أن يرتبط الطِّفل باسمه وأن يحبَّه ويعتزَّ به، ويعتبره جزءًا من شخصيته وكرامته، ولولا هذا لما حثَّنا دينُنا الحنيف على اختيار الأسماء الحسَنة للأطفال، واعتبره حقًّا للطِّفل على والديه.
بعد أن يُدرك طفلُك علاقات التركيب السابقة لا تُسْرِف في تعليمه الحروف، ولكن اترُكْ لوحة الحروف قريبةً منه، واسمح له بلمسها والنَّظر إليها، لكن لا تَفْرض عليه قراءتها وترديدَها معك، في المقابل حاول أن تنقل إليه فكرتَيْن أساسيتين:
الكتابة وسيلة هامَّة للتحاور، والقراءة وسيلةٌ ممتازة للمعرفة.
الكتابة هي تسجيلٌ لما نقول مشافهةً، وليست شيئًا مختلفًا.
ولكي تحقِّق الفكرتين؛ يمكنك أن تقوم بالأنشطة التالية:
احرص على تدوين ما تريد أمام طفلِك، واطلب منه أن يُحْضِر لك القلم والأوراق بنفسه.
اكتب ما تريد من مُستلزمات المَنْزل أمام طفلك، واقرأ بصوتٍ مرتفع وقت الكتابة، وأعِدْ مراجعةَ ما كتبتَ بصوتٍ واضح.
عندما تصحب طفلك لشراء ما تريد؛ احرص على أن يراك تقرأ ما كتبتَ، وتُفِيدَ منه.
استخدِمْ أسلوبَ التخاطب الكتابيِّ داخل البيت؛ لِلَفْت انتباه طفلك؛ كأنْ تكتب لزوجتك قبل خروجك من المَنْزل، واحرص أن يراك طفلُك قدر الإمكان، وإذا كنتَ الطَّرَف المتلقِّي، فقُم بقراءة المكتوب بصوتٍ مرتفع، واترك لطفلك المجالَ ليسألك عمَّا كتبَتْ أمُّه مثلاً.
قم بتدوين أسماء أطفالك على أطباق الطَّعام التي تعدُّها لهم، أو على ملابسهم الجديدة، أو هداياهم، واجعل سبيلهم لنيل ما يُريدون هو تمييزَ أسمائِهم مكتوبة، ولا يُشترط أن يصل الطِّفل إلى مرحلة تمكِّنه من القراءة؛ حتَّى يحفظ شكلَ اسمه مكتوبًا؛ لأنَّه سيحفظ رمزًا لا أكثر من ذلك.
قم بتوفير لوح كتابةٍ أبيض، وضَعْه في مكانٍ جميل في المنزل، واكتب لأطفالك عليه باستمرارٍ كلمةً أو جملة قصيرة، واقرأها لهم بحبٍّ، والمطلوب هو أن يَشعر الطفل بجمال القراءة والكتابة، ويتوق لتعلُّمِها وإتقانها.
اقرأ لطفلك أسماءَ الحلوى والمنتجات التي يحبُّها، ومَرِّر إصبَعَك على الكلمات المطبوعة أثناء القراءة، ولا تطلب منه القراءة، لكن أجِبْ طلبه إذا سألك عن اسم هذا المنتج أو ذاك.
فكِّر في بعض المواقف بصوتٍ مرتفع، وكأنَّك تُحَدِّث نفسك، وأوضح لطفلك أنَّ قراءتك للبيانات المكتوبة على لافتات المتاجر أو الأبواب أو أسماء الطُّرق قد ساعدَتْك لتتبيَّن طريقك، أو لِتَصل إلى ما تريد.
احذر من وجودِ أجهزة الكمبيوتر، وعليك أن تَحْرص على استخدام القلَم والأوراق بالطَّريقة التقليديَّة أمام طفلك؛ لأنَّ العربيَّة بصفةٍ خاصَّة تتضرَّر كثيرًا من استخدام الكمبيوتر، وسوف نُناقش هذه الفكرة - بإذن الله - لاحقًا في حينها.
ولا تنسَ تحضير أدوات الكتابة والقراءة لطفلك، وأن تُشاركه في ترتيبها والعناية بها، ولا تجعل القراءة والكتابة استذكارًا وواجبًا لا بُدَّ من إتمامه، والأصل أن يتشرَّب الطفل هذه المهارات وأن يُحِبَّها.
وبهذا تنتهي الحلقةُ الثانية من سلسلة: "دليلك لتعليم طفلك القراءة والكتابة"، نلقاكم قريبًا - بإذن الله - وحلقة جديدة.