قد نأخذ سنوات طويلة لأجل أن نبني علاقات اجتماعية قوية، علاقات صداقة، علاقات تعارف فيما بيننا ولكن ربما لا يأخذ الأمر منا سوى بضع ساعات لكي تتحطم الكثير من تلك العلاقات حين نسمع كلمة ربما غير صحيحة، حين نعطي و نطلق لأنفسنا العنان أن نسيء الظن بالآخرين، أن نصدق كل ما قيل عنهم، أن نصدّق أن فلانًا من الناس بعد كل العشرة الطويلة قد قال عني كذا وقال عني ذاك، وهذا لا يليق وذاك لا يصح، وإذا بتلك العلاقة التي أخذت سنوات لأجل أن تُبنى وتتعزز في نفوسنا تتحطم وتتهاوى في لحظات أو ربما ساعات!.
يا ترى هذه الممارسات الاجتماعية غير الصحيحة التي باتت واضحة في مجتمعاتنا سرعان ما نصدّق الكلام السيء ولكن ربما نأخذ وقتًا طويلًا لكي نصدّق كلامًا حسنًأ أو جيدًا.
لماذا صار توقع الشر من الآخرين أسبق إلى نفوسنا من توقع الخير؟! في حين أن الأصل في الإنسان أنه بريء حتى تثبت إدانته وليس العكس!
الناس ليسوا في الأصل على اتهام ولا على تهمة إلى أن تثبت البراءة لدينا تجاههم. يا ترى هذه المفاهيم هل القرآن يعالجها فعلاً؟
هذا الكتاب العظيم ما ترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحاط بها وقدّم لي الوسائل التي أستطيع من خلالها أن أتعامل مع المشاكل والأمور التي تطرأ لي في حياتي، كل ما أحتاج إليه أن أتعلم وأتعرف كيف اقترب من ذلك القرآن العظيم ليجيب على تساؤلاتي ويعطيني الحلول لهمومي وأزماتي. تأملوا قول الله عز وجل في سورة النور(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿١٦﴾ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿١٧﴾ النور)
الآيات تتحدث عن ظاهرة في عموم أسبابها ونحن نريد أن نتوقف عند قوله تعالى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) عادة الإنسان أنه يتلقى الأخبار بالأذن، بالسماع، يستمع إليها، ولكن تأملوا دقة التعبير في القرآن العظيم (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) وكأن الإنسان حين يستمع لذلك الخبر السيء أو لذلك الكلام الرديء عن الآخرين في بعض الأحيان لا يعطي لنفسه حتى مجرد فرصة أن يعذي لنفسه فرصة أن يستمع الخبر ويتأكد من صحته وإنما يقفز مباشرة إلى عملية نقل للمعلومة أو الخبر دون التريث دون التأكد دون النظر دون محاولة تمرير ذلك الخبر على العقل لكي يتعقله، لكي يقف عنده، لكي يتأكد من صحة المعلومة التي وصلت إليه.