_هذا من باب الاستبعاد، أي: من الأمر البعيد أن يهدي الله قوما اختاروا الكفر والضلال بعدما آمنوا وشهدوا أن الرسول حق بما جاءهم به من الآيات البينات والبراهين القاطعات ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) فهؤلاء ظلموا وتركوا الحق بعدما عرفوه، واتبعوا الباطل مع علمهم ببطلانه ظلما وبغيا واتباعا لأهوائهم، فهؤلاء لا يوفقون للهداية، لأن الذي يرجى أن يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية. _ثم أخبر عن عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والأخروية، فقال ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) أي: لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا لحظة، لا بإزالته أو إزالة بعض شدته _( ولا هم ينظرون ) أي: يمهلون، لأن زمن الإمهال قد مضى، وقد أعذر الله منهم وعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، فلو كان فيهم خير لوجد، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ( 90 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( 91 ) . _يخبر تعالى أن من كفر بعد إيمانه، ثم ازداد كفرا إلى كفره بتماديه في الغي والضلال، واستمراره على ترك الرشد والهدى، أنه لا تقبل توبتهم، أي: لا يوفقون لتوبة تقبل بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، قال تعالى وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فالسيئات ينتج بعضها بعضا، وخصوصا لمن أقدم على الكفر العظيم وترك الصراط المستقيم، وقد قامت عليه الحجة ووضح الله له الآيات والبراهين، فهذا هو الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه، وهو الذي سد على نفسه باب التوبة، ولهذا حصر الضلال في هذا الصنف، فقال ( وأولئك هم الضالون ) وأي: ضلال أعظم من ضلال من ترك الطريق عن بصيرة، وهؤلاء الكفرة إذا استمروا على كفرهم إلى الممات تعين هلاكهم وشقاؤهم الأبدي، ولم ينفعهم شيء، فلو أنفق أحدهم ملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب الله ما نفعه ذلك، بل لا يزالون في العذاب الأليم، لا شافع لهم ولا ناصر ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله فأيسوا من كل خير، وجزموا على الخلود الدائم في العقاب والسخط، فعياذا بالله من حالهم.
المراجع
تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن)
بصوت الشيخ عبد الرحمن السبهان
وتلاوة القارئ الدكتور عبد العزيز الأحمد
و بتلاوة إضافية في البدء للقارئ الشيخ مشاري بن
راشد العفاسي